“مؤامرة القصر الملكي” في صلب الأزمة القطرية

0

من هو الزعيم الحقيقي لقطر؟

على الورق، هو الأمير تميم بن حمد آل ثاني البالغ من العمر 37 عاماً، وابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تنازل عن العرش لصالح تميم في عام 2013. لكن قيادتَي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين أصبحتا مقحمتان في خصام دبلوماسي فوضوي مع قطر تعتقدان أنه في الواقع الشيخ حمد، المعروف الآن باسم “الأمير الوالد”، الذي لا يزال يتحكّم بالأمور. ويمكن للحقيقة أن تملي نتيجة أزمة الخليج التي تحاول الولايات المتحدة التوسط فيها للتوصّل إلى تسوية مبكرة بينما تراقب إيران بشكل مؤذ من الهامش.

وهناك مجموعة متنوعة من الآراء حول الشخصية التي تتولّى الحكم فعلاً في الدوحة، وليس أي من هذه الآراء بالمديح لعائلة آل ثاني التي كانت سابقاً قبيلةً في الصحراء ولا يتجاوز عددها البضعة آلاف نسمة ولكنها تملك في الواقع ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم.

وفي رأي دبلوماسي سابق كان قد عاش في الدوحة لعدة سنوات، إنّ: “حمد لا يحب الإماراتيين والبحرينيين ولكنه يكره السعوديين تماماً”. ويصرّ هذا الدبلوماسي على أن الأب لا يزال يدير الدبلوماسية القطرية. ويبدو أنّ حمد البالغ من العمر 65 عاماً يتّخذ وجهة نظر تاريخية و “شخصية جداً”. وفي غرفة تزيّنها خرائط قديمة، ألقى مرّة محاضرةً لمدّة خمسة أيام متتالية لوزير دفاع بريطاني زائر عن الروابط التاريخية لآل ثاني مع مواقع بعيدة، معظمها الآن في المملكة العربية السعودية. ووفقاً لمطّلع سابق على بواطن الأمور، إنّ حمد رجلٌ “قوي” و”خطر”.

أمّا الذين لا يعرفون عائلة آل ثاني معرفةً وطيدة فلهم وجهة نظر أكثر اعتدالاً. فوفقاً لمسؤول أوروبي مشارك في استضافة قطر لكأس العالم في عام 2022: “لدى تميم الإرادة لكنّ والده يشكل قوة تقييدية”. وتجدر الإشارة إلى أنّ استضافة قطر للمونديال تضمّنت إنفاق مليارات [الدولارات] على إنشاء البنى التحتية ورشاوى مزعومة دُفعت ليتم اختيار الدوحة كموقع لاستفاضة كأس العالم، الذي تقدّر وكالة استخبارات أوروبية أنها تبلغ 180 مليون دولار.

وبالنسبة للدوحة، يُعتبر مثل هذا المبلغ مصاريف جيب تقريباً. فقد منحها الغاز القطري أعلى معدل لنصيب الفرد من “الناتج المحلي الإجمالي” في العالم. وخلال فترة حكم حمد، استفاد الأمير من هذه الثروة لإنشاء قناة “الجزيرة،” التي هي أول شبكة تلفزيونية فضائية في المنطقة، مما أدى إلى زيادة نفوذ قطر إلى حد كبير، في حين أزعج جيرانها لأن القناة وفرت منبراً لأصوات المعارضة والواعظين المزعجين مثل رجل الدين الإسلامي يوسف القرضاوي . وعلى مرّ السنين، لم يتأثر حمد بالاحتجاجات الدبلوماسية على ما تبثه القناة، وغالباً ما كان يرد بكل ثقة وبشكلٍ يصعب تصديقه على مجموعة من السفراء بأن قناة “الجزيرة” إما مستقلة أو ينبغي السماح لها بحرية التعبير.

ويبدو أنّ حمد لا يستطيع أن يقاوم أي فرصةً من أجل إزعاج الدول الخليجية العربية المجاورة، حتى لو يؤدي ذلك إلى تفكك «مجلس التعاون الخليجي» الذي حمى إلى حد كبير الأنظمة الملكية العربية والمشيخات المحافِظة من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ اندلاع الحرب الإيرانية -العراقية عام 1980. وتكثر الأمثلة عن الأعمال التي قام بها حمد لإزعاج جيرانه. ففي مرحلةٍ مبكرة من الحرب الأهلية السورية، تصارعت قطر مع السعودية حول من سيدعم المقاتلين الجهاديين الأكثر فعالية. ودعمت الدوحة أيضاً جماعة «الإخوان المسلمين» باعتبارها موجة المستقبل بالنسبة للعالم الإسلامي، وهو موقف مثير للسخرية نظراً لأنّ «الإخوان» يعارضون المشيخات الوراثية كما هي الحال في قطر.

وتمتدّ علاقة حمد العدائية مع جيرانه العرب إلى الأيام الأولى من استلامه الحكم. فبعد أن أزاح والده جانباً في عام 1995، حاول السعوديون والإماراتيون، مع بعض التدخل البحريني، تنظيم انقلابٍ مضادّ. وتمّ تجنيد عدّة مئات من رجال القبائل، وأُنشئ على الأقلّ مخزن واحد للأسلحة في الصحراء. بيد أنّ المؤامرة فشلت لأنّ أحد رجال القبائل أبلغ بلاط حمد بالمخطّط. ولكن لخيبة أمل حمد، تمّ تعتيم أي إدانة من جانب الولايات المتحدة لكي لا تزعج السعودية، الحليف الإقليمي الأكبر والأهم.

إلّا أنّ اهتمام واشنطن لمشاعر الرياض لم يواجَه بالمثل. ففي عام 2003 سحب السعوديون الرخصة للقوات الجوية الأمريكية باستخدام “قاعدة الأمير سلطان الجوية”. وكانت قطر قد بنت “قاعدة العديد الجوية” العملاقة أساساً لاستغلال مثل هذه الفرصة. وقد حلّقت طائرات عسكرية أمريكية من هذه القاعدة أثناء العمليات في أفغانستان والعراق، وكذلك ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية».

وتقود السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، محاولة عزل قطر عن طريق قطع الخطوط الجوية، وتقييد الشحن، وإغلاق الطريق البري عبر السعودية. ووضعت هذه الدول قائمةً تضمّ 13 مطلباً، ومنحوا قطر مهلةً حتى 2 تموز/يوليو لقبولها. وكان ذلك الوقت أكثر ممّا تحتاجه الدوحة – التي رفضت هذا الأسبوع جميع هذه المطالب. وتتراوح هذه المطالب من تلك الغريبة على ما يبدو، مثل طرد أفراد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني (هل هناك أيّ منهم في قطر؟) إلى تلك الواضحة – مثل طرد أي منشقين سياسيين إلى بلدانهم الأصلية في السعودية أو الإمارات أو البحرين أو مصر. وهناك أيضاً المطالب شبه المستحيلة مثل إغلاق قناة “الجزيرة”، التي أصبحت الآن علامةً تجارية عالمية تعادل قيمتها مليار دولار ويمكن مشاهدتها في الفنادق في جميع أنحاء العالم.

ولا يبدو أن قطر تلتزم بقواعد اللعبة التي يمارسها خصومها، وأفادت مصادر مطّلعة بأن الرياض وأبو ظبي أصيبتا بخيبة أمل عندما نشرت الدوحة قائمة المطالب. والسؤال الذي يُطرح هو: ما الذي سيحدث الآن؟

وعلى المدى الأطول قليلاً، يتوقّف ردّ حمد وتميم على مقدار الضغط عليهم من عشيرة آل ثاني الأوسع. فقيادة حمد لا تحظى بالاحترام الكامل، كما أن هناك احتراماً أقل لقيادة تميم. وقد أثار تولي الأمير السابق العرش عام 1995 استياءً داخل الأسرة الموسّعة، ولا تزال هذه النظرة على ما هي. إنّ خطوط النسب مهمة لـ آل ثاني، وواقع كون والدة حمد من عائلة العطية يُشكل نقطةً سلبية. ولذلك يُنظَر إلى حمد على أن نصفه فحسب هو من عائلة آل ثاني، وأنه “طائر الوقواق في العش” [ “الدخيل غير المرحّب به”] على حدّ تعبير أحد الملاحظين المطّلعين. كما أنّ اثنتان من زوجات حمد الثلاث من عائلة آل ثاني، ولكن زوجته المفضلة – ووالدة تميم – هي الإمرأة المثالية [الجميلة] موزا المتحدّرة من عائلة المسند. لذلك فإنّ وضع تميم داخل عائلة آل ثاني لم يعد آمناً، ويمكن القول إنه أقلّ أماناً من وضع حمد. ومن المحتمل أنّ الرياض وأبو ظبي تحاولان تهيئة شخص بديل من آل ثاني يكون أكثر مطواعية ليتولّى دور القيادة.

ومن المرجّح أنّ المجتمع القطري الأوسع لا يريد أن يكون على خلاف مع السعودية. كما لا يريد أن يعتمد على إيران التي تشكل الآن طريقاً لوصول الإمدادات الغذائية التي لم تعد تصل عبر السعودية.

لكن الضغوط الداخلية من أجل التوصل إلى مصالحة قد لا تكفي بالنسبة إلى حمد ليتنازل عن الكثير، على الأقلّ في الوقت الراهن. ويمكن لصحته أن تشكّل عاملاً مهماً. فبعد أن كان يعاني سابقاً من زيادةٍ كبيرة في الوزن، أصبح الآن أكثر نحافةً، ولكنه يبدو هزيلاً وليس بصحة جيدة. وقد عانى من مشاكل في الكلى، ويعتقد الدبلوماسيون أنّه خضع لعملية زرعٍ واحدة على الأقل.

وفي الدبلوماسية الحالية، لم يكن هناك ظهور عام بارز لحمد أو لتميم. ولكن قد يكون حمد سعيداً بالأزمة المتفاقمة. فقبل عدة سنوات، تم تكليف حمد بن علي وهو شاب من آل ثاني يتمتّع بسمعة لكونه مقتدر، بإقامة مشروع للأمن الغذائي. وكان الدبلوماسيون يعتقدون في ذلك الوقت أنه كان من المفترض أن يعالج مشروعه خطر مضيق هرمز، عند مدخل الخليج، الذي أُغلق أمام الشحن. والآن يبدو أن الأمير الوالد كان يخطّط مسبقاً. فما هي الحيل الأخرى التي يخبّئها؟

سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، ومؤلف مشارك في مذكرات المعهد السياسية لعام 2017 “إعادة بناء التحالفات ومكافحة التهديدات في الخليج“.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.