صفعة..!

0

 رآه يجلس على الأرض متخفياً من عيون حراس الفضيلة، يشرب من علبة عصير وأمامه بعض الطعام، خرج من سيارته المكيفة، اقترب منه وصرخ به «يا كلب في رمضان»، ثم رفع يده وصفعه على خده بكل قسوة.

هذا ملخص الفيديو، الذي انتشر على الإنترنت لعامل بسيط جلس يبل ريقه، الذي جف تحت الشمس أثناء عمله في الشارع، فأتاه شاب ادعى أنه يدافع عن الإسلام وشعور المسلمين (المرهف)، فتهجم عليه لفظيا وجسديا، والأدهى أنه صور فعلته ونشرها متباهيا بها. ولمن لم يتسن له رؤية الفيديو، لا يمكنني، بكل الكلمات التي أعرفها، أن أصور لكم نظرة الانكسار والإهانة في عيون ذلك العامل البسيط.

معظم الدول الإسلامية سنت قوانين تعاقب المجاهر بالإفطار في نهار رمضان، وتتفاوت تلك العقوبات من الغرامة إلى السجن إلى الجلد إلى الإبعاد، بحجة أن الإفطار العلني يجرح مشاعر الصائمين. السؤال الذي لا أجد له إجابة هو: لماذا لا يتم خدش صيام المسيحيين في بلادنا، ونحن نأكل كل ما لذ وطاب حولهم وحواليهم؟ لماذا لا تجرح مشاعر الصائمين المسلمين في بلاد الغرب، وهم يشاهدون المطاعم والولائم، أم أن صائميهم غير صائمينا؟ لماذا لا يتم خدش صيامنا عن طريق كل تلك الإعلانات الغذائية ودروس الطبخ والمسلسلات، التي تعرض أناسا يأكلون ويشربون في نهار رمضان؟ لم يخدش صيامنا إلا فقير مسكين جفت عروقه تحت درجة حرارة 50، فتناول شربة ماء، فأتى من يعلمه سماحة الدين «بصفعة»؟

العامل البسيط، الذي يعمل في الشارع، وليس له مأوى قريب ليبل ريقه في الخفاء حتى لا يتهم بالمجاهرة، ربما غير مسلم، ربما مريض، ربما كان صائما ولم يتحمل تكملة صيامه تحت أشعة الشمس، أو ربما بكل بساطة هو مسلم ولا يصوم. من أنت لتحاكمه وتعاقبه وتمتهن كرامته بهذه الطريقة؟ هل صيامك مهزوز لتخدشه لقمة؟
إن ما فعله ذاك الرجل بالعامل البسيط ليس دفاعا عن صيام ولا حبا في الدين، هو مجرد تسلط وإثبات قوة على ضعيف يعلم كل العلم أنه لن يستطيع الدفاع عن نفسه ولا الشكوى عليه. ولو كان ذاك العامل رجلا أميركيا مثلا لمرّ من أمامه بكل هدوء وابتسم له، وربما ضيفه كم تمرة من جيبه العامر بها.

حراس الفضيلة، أولئك الذين يظنون أنهم يملكون توكيلات إلهية ليتهموا، ويحاكموا ويحكموا على البشر، هم في الحقيقة يتعدون على حق الله في التشريع والحساب، فإرغام البشر على الدين لا يخلق شعبا متدينا، بل شعبا منافقا بلا مبادئ.
بدلا من القوانين التي تعاقب المجاهر بالإفطار بالجلد والحبس والإبعاد، والتي ليس لها في الدين أصل سوى ما أفتى به شيوخ التزمت والتعصب والغلو، سنوا قوانين إنسانية تعاقب من يستقوي على الضعيف بسبب جنسيته، لونه، مستواه المادي، دينه أو مذهبه.

D.moufti@gmail.com
dalaaalmouftii@

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.