حزيران إيران: نار وصولجان

0

النار في حاجة لعصب المال كي تستكمل التهام ما تراه هشيما عربيا، لكن أرض اليمن والخليج وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام هي أرض عصية ترفض الالتهام والإخضاع.

اللوحة: المغول على أبواب بغداد

من أمثال العوام في شهور العام، نطالع عن شهر يونيو – حزيران مثلين لافتين: “حزيران فيه نيران”، و”في حزيران تنزل الشمس ويكبر الرمان”. وبينما يستمر المشرق وشبه الجزيرة العربية في الاكتواء بنيران بركان ألهبه نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأشباهه وأطراف اللعبة الكبرى الجديدة، يأمل صناع القرار في طهران إحراز الصولجان أي قصب السبق الإقليمي بعد إنجاز التسوية المنتظرة مع باراك أوباما مما سيزيد من تباهي بلاد داريوس في إقليم تزداد فيه حدة الاستقطاب والنزاعات. بيد أن الأمور تقاس بخواتمها وتتماتها ضمن مخاض التحولات الذي لن يكون هذا المنعطف إلا إحدى محطاته مهما كان وقعه وتبعاته.

هكذا مع نهاية شهر حزيران، تسدل الستارة على المسلسل التفاوضي الطويل بين واشنطن وطهران، ويفترض الوصول إلى آخر الماراتون رغم صعوبة صياغة نص الاتفاق النهائي. لكن “الشيطان” يكمن في تفاصيل تتصل أساسا بموعد وآلية رفع العقوبات، وكذلك بما يسمى الجوانب العسكرية السابقة للبرنامج النووي، ها هي التجاذبات تحضر من جديد على الطاولة ووراء الكواليس في مماحكات محورها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي أعلن أثناء مشاركته في جلسة غير علنية لمجلس الشورى الإسلامي، أن بلاده ستوافق على الإلغاء التدريجي للعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى السماح بتفتيش المواقع العسكرية وفقا للبروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ثم قام، سريعا، بنفي تصريحاته والقول أن “إيران لن تساوم أبدا على أمنها القومي وأسرارها العسكرية ومنجزات علمائها، ولن تسمح بالمساس بها مهما كان الثمن”.

وأوضح كبير المفاوضين الإيرانيين “أن الخطوط الحمراء في المفاوضات يرسمها قائد الثورة الإسلامية”، مؤكدا أن “المفاوضين الإيرانيين يعملون في إطار التوجيهات والخطوط الحمراء المرسومة”.

في إطار هذا الالتباس والتخبط يعود عراقجي نفسه ليصرح بأن المحادثات قد تستمر إلى ما بعد 30 يونيو، لكن سرعان ما انبرت واشنطن لرفض ذلك وترافق الأمر مع زيارة لمدير الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى باريس، وإعلان الوزير لوران فابيوس أن بلاده لن توقع الاتفاق النهائي في حال عدم قبول طهران بتفتيش منشآتها العسكرية.

يرتبط هذا الجدل باستمرار بالشكوك حول عمليات الإخفاء والتمويه الممنهجة، إذ يسرد مصدر متابع لجوء الجانب الإيراني إلى بناء ما معدله برنامجين نوويين أو أكثر، والإنفاق السخي على عدة بنى تحتية وتقنية في آن معا، وذلك في استخلاص لتجربة العراق في حقبة صدام حسين والتمكن من امتلاك السلاح النووي عند صدور القرار السياسي. وفي المفاوضات السابقة طالبت باريس بأن تشمل النقاشات سلاح الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية خاصة على ضوء التعاون المعروف بين إيران وكوريا الشمالية. وخلال هذا الأسبوع كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (نواته جماعة مجاهدي خلق المعارضة التي كانت أول من أشار إلى المواقع السرية للبرنامج النووي) عن استمرار تعاون طهران – بيونغ يانغ بعد توقيع الاتفاق المرحلي في الثاني من أبريل الماضي.

بيد أن مصدرا أوروبيا مطلعا يعتقد أن العقبات التقنية وعقدة رفع العقوبات ستذلل نتيجة وجود قرار سياسي على أعلى مستوى في كل من واشنطن وطهران، وأن الفشل ممنوع عند “الصديقيْن كيري وظريف”. وهذا التفاؤل المطلق لا يتقاسمه مصدر روسي يبدي حذره من ألغام ربع الساعة الأخير، إذ أن خامنئي “الملزم بتوقيع اتفاق لتطبيع علاقاته مع العالم يخشى لحظة الانفتاح ولن يقبل أن يكون روحاني غورباتشوف إيران”. وفي هذا السياق تبدو القيادة الإيرانية قلقة من الهزات الأخيرة في الوضع الداخلي، وفي التحولات الإقليمية.

في موازاة ما حصل من أحداث في الأحواز ومن “انتفاضة فريناز” في كردستان وإضراب المعلمين الواسع واضطرابات بلوشستان وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كشفت مجلة فوربس عن تقديرها لحجم إمبراطورية خامنئي المالية بما يعادل 95 مليار دولار، أما “ديلي تلغراف” فقد أحصت حصول 1119 عملية إعدام منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة السلطة. وهذا الوضع المتأزم في الداخل يترافق مع نكسات للمشروع الإمبراطوري من اليمن (رغم الضجيج الإعلامي لم تتمكن السفينة الإيرانية المحمّلة بالمساعدات من خرق الحصار وخضعت للتفتيش مثل غيرها من قبل الأمم المتحدة في جيبوتي) إلى العراق وسوريا.

إزاء استمرار التصعيد في اليمن نتيجة تعنت الثنائي علي عبدالله صالح – الحوثي، ومعركة الرمادي وتتماتها، والوضع السوري على وقع معركة القلمون التي لم تحجب انتكاسات النظام، تستمر طهران في إدارة معركة مشروع التمدد ولعبة التفكك في الجوار العربي القريب والبعيد، والسعي لكي يكون الاتفاق النووي رصيدا يضاف إلى عناصر قوتها لكي تكون الشرطي الإقليمي الذي يطرح نفسه شريكا لمحاربة إرهاب هو أحد صانعيه بشكل مباشر أو غير مباشر.

إنها إذن النيران الإيرانية تنطلق من صعدة، وتحل في الأنبار في المربع الحدودي العراقي مع الأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية (دخل المئات من القوات الإيرانية إلى العراق تحت ستار معركة استرداد الرمادي وبحوزتها صواريخ سكود يمكن أن تنصب على الحدود مع السعودية في النخيب). إنها إذن النيران الإيرانية في سوريا ولبنان فيما يمكن تسميته بدء تطبيق الخطة “ب” في مسعى للحفاظ على النظام في وسط سوريا وغربها.

ربما تستعجل إيران توقيع الاتفاق للإفراج عن أموالها المحجوزة وتخصيصها لإكمال مشروعها والتلويح بصولجانها. النار في حاجة لعصب المال كي تستكمل التهام ما تراه هشيما عربيا، لكن أرض اليمن والخليج وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام هي أرض عصية ترفض الالتهام والإخضاع.

في حزيران يزهر الرمان، لكن هذه الفاكهة الخريفية التي تعتبر بلاد فارس موطنها الأصلي، لن يهنأ البعض بأكلها ما دام الكثير في الإقليم يذوق الدمدم.

khattarwahid@yahoo.fr

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.