تأخّرت معركة الحديدة… ام لم تتأخّر

0

من الافضل التعاطي مع الموضوع اليمني بكثير من الحذر واليقظة والواقعية، لا لشيء سوى لانّ الحسم العسكري الكامل يعتبر من الامور الصعبة، ان لم يكن من الامور المستحيلة. هذا عائد الى الطبيعة الجغرافية للبلد اوّلا والى طبيعة اليمنيين والمجتمع اليمني ثانيا. هؤلاء على استعداد للقتال الى ما لا نهاية في مناطق معيّنة.

من الضروري الإشارة هنا الى ان الجمهورية لم تدخل مناطق عدة في اليمن، خصوصا في شمال الشمال، وذلك بعد التوصل، في آذار ـ مارس من العام 1970، الى اتفاق المصالحة الوطنية في جدّة. اوقف اتفاق المصالحة الحرب الداخلية ذات الامتدادات الاقليمية التي تلت الانتهاء من العهد الامامي في السادس والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 1962. لكنّ بعض المناطق بقيت خارج الجمهورية عمليا، خصوصا صعده ومحيطها، معقل الحوثيين الذين سمّوا انفسهم لاحقا “انصار الله”.

عبر التاريخ الطويل لليمن، بقيت هناك مناطق شبه متمرّدة، عصيّة على السلطة المركزية وعلى الخارج، بما في ذلك الاستعمار التركي. على سبيل المثال وليس الحصر، استمرّت الحرب بين الحوثيين والنظام القائم برئاسة علي عبدالله صالح بين 2004 و 2010. حصلت ست حروب بين الجانبين لم يتمكن فيها النظام القائم من الحسم على الرغم من امتلاكه قوّات عسكرية كبيرة واسلحة متطوّرة، نسبيا، مقارنة مع الاسلحة التي كانت لدى الحوثيين. كان النظام قويّا جدا. كان نظاما مركزيا يسيطر على كلّ البلد تقريبا، لكنّه لم يستطع التخلّص من الحوثيين لاسباب متنوّعة وفي غاية التعقيد، من بينها مسألة الخلافة. ما لبث “انصار الله” ان اخذوا المبادرة وسيطروا على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 2014، عندما سنحت لهم الفرصة للقيام بذلك.

من هذا المنطلق، لا مفرّ من البحث عن أفكار جديدة ذات طابع عملي. يُفترض ان تكون هذه الافكار خلّاقة نظرا الى ضرورة التعاطي مع الموضوع اليمني بتعقيداته وابعاده الإقليمية والدولية بشكل جديد فرضته تطورات السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك انهيار السلطة المركزية في صنعاء بعدما صار القتال داخل اسوار المدينة وفي احيائها بين علي عبدالله صالح وخصومه من الاخوان المسلمين.

يبدأ طرح الأفكار ذات الطابع العملي بالاعتراف بانّ “عاصفة الحزم” التي انطلقت في آذار ـ مارس 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية حققت جانبا أساسيا من الأهداف التي توختها. في مقدّم هذه الأهداف توجيه ضربة الى المشروع الايراني الذي كان يرمي الى السيطرة على اليمن واستخدامه في عملية التفاف على دول الخليج العربية على رأسها السعودية، فضلا عن التحكم بمضيق باب المندب ذي الاهمّية الاستراتيجية.

لا حاجة الى إعادة التذكير بانّ “انصار الله”، لم يكتفوا بالسيطرة على صنعاء وإعلان زعيمهم عبدالملك الحوثي قيام نظام جديد في اليمن يستند الى العلاقة مع ايران وتجربة “حزب الله” في لبنان، بل انطلقوا في اتجاه الجنوب واتجاه عدن تحديدا، بعد الالتفاف على تعز. لم يعد سرّا من اخرجهم من عدن ثمّ من المكلا ومن ابعدهم قبل أسابيع قليلة عن المخا، أي عن موقع كانوا يستخدمونه لتهديد ممرّ مائي دولي هو باب المندب.

ماذا يعني البحث عن أفكار عملية لليمن؟ البداية تكون بتحرير اليمن المفيد من “انصار الله” الذين يشكلون مع “القاعدة” خطرا ليس على مستقبل البلد فحسب، بل على كلّ دول الخليج أيضا. لذلك، كان مهمّا اخراج المتطرفين، بكلّ فئاتهم وايديولوجياتهم العفنة من الشريط الساحلي الممتد من حضرموت وصولا الى المكلا، مرورا بعدن، بمينائها ومطارها. لذلك ايضا، ستكون معركة ميناء الحديده في غاية الاهمّية نظرا الى ان هذا الميناء، الذي يعتبر بين الاهمّ على البحر الأحمر، يلعب دورا حيويا في مجال توفير وسائل دعم للحوثيين، بما في ذلك توفير بضائع مهرّبة من كلّ الانواع، بينها السلاح الآتي من ايران، إضافة الى مداخيل مالية هم في اشدّ الحاجة اليها.

سيساعد التغيير الذي طرأ على الموقف الاميركي في نجاح عملية انقاذ الحديدة وإخراج الميناء من سيطرة “انصار الله”. هناك بداية وعي أميركية لخطورة الوجود الايراني في اليمن وابعاده. تشكل بداية هذا الوعي منطلقا لنظرة جديدة الى اهمّية اليمن والى خطورة المشروع التوسّعي الايراني في المنطقة كلّها.

في الإمكان تحمّل الجمود على الجبهات الداخلية طويلا، لكنّه كلّما استعجل “التحالف العربي” استكمال عملية الإمساك بالشريط الساحلي، كلّما زاد الخناق ضيقا على “انصار الله” المتحالفين مع الرئيس السابق الذي ساعد في مرحلة معيّنة في ايجادهم وادخالهم مجلس النوّاب قبل ان ينقلبوا عليه وخوض الحروب الست معه ومع الذين كانوا الى جانبه في مرحلة معيّنة.

لا يمكن الفصل بين السيطرة على الشريط الساحلي لليمن واعادته الى “الشرعية” وبين البحث عن حلّ سياسي يأخذ في الاعتبار الحاجة الى صيغة جديدة للبلد. الأكيد ان هذه الصيغة لا يمكن الّا ان تكون مبنية على اللامركزية الموسعة بعيدا عن مجرد التفكير في العودة الى مرحلة علي عبدالله صالح. اليمن تغيّر كلّيا قبل قبول الرئيس السابق بالمبادرة الخليجية وقبل تقديم استقالته استنادا الى هذه المبادرة وبدء المرحلة الانتقالية التي لا تزال مستمرّة الى اليوم على الرغم من انّه كان مفترضا الّا تدوم سوى سنتين. أي ان تنتهي في شباط ـ فبراير 2014.

ليس مقبولا ان يكون الموقت دائما في اليمن. ليس مقبولا ان يكون هناك استكمال لاستعادة الشريط الساحلي من الانقلابيين، حتّى لو تأخّرت معركة الحديدة، وان لا يكون هناك طرح سياسي يرافق الانجازات العسكرية.

سقط الحوثيون في الفخ الذي نصبوه لانفسهم عندما ساروا في خط تحقيق الانتصارات العسكرية من دون ان يكون لديهم أي مشروع سياسي او اقتصادي باستثناء وضع اليمن في تصرّف الاستراتيجية الايرانية.

لا يمكن ان يكون هناك طرح سياسي يؤدي الى نتائج عملية في بلد يموت اهله جوعا ويقضي المرض على اطفاله من دون مراجعة شاملة تأخذ في الاعتبار ان  الحاجة الى شرعية جديدة تتمثل فيها كلّ الفئات اليمنية، بمن في ذلك “انصار الله” ولكن ليس على طريقة تمثيل “حزب الله” في لبنان كما شدّد على ذلك اللواء احمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والناطق باسم ٍ”قوات التحالف” العاملة في اليمن.

عندما تكون هناك خطة عسكرية واضحة لمحاصرة “انصار الله” وحلفائهم، فضلا عن ابعاد “القاعدة” عن الساحل اليمني، ان في حضرموت او في عدن، يصبح من البديهيات البحث عن “شرعية” مختلفة في اليمن بعيدا كلّ البعد عن الرئيس الانتقالي الحالي عبد ربّه منصور هادي الذي تكمن مشكلته الاولى في انّه لا يمتلك قاعدة شعبية في أي منطقة يمنية.

تأخرت معركة الحديدة ام لم تتأخّْر، ليست تلك المسألة. ما لا يجب ان يتأخّر هو أسس الحل السياسي في اليمن التي فرضتها المعطيات الجديدة، على رأسها ان اليمن الذي عرفناه لم يعد قائما وان لا بديل من أقاليم جديدة، مثلما ان لا بديل من “شرعية” مختلفة تكون بالفعل شرعية.  

اترك رد

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading