بعد الإستقلال: رحل يهود الجزائر وأخذوا “مجالس الغناء والطرب”!

1

مقال ممتع من “الوطن” الجزائرية سيقدّره عشّاق الطرب في العراق والكويت الذين رحلوا يهودهم و”طَرَبهم” قبل سنوات عديدة!

Sans titre
“…عندما استقلت الجزائر في سنة 1962م، كانت الأغلبية الساحقة من يهود الجزائر قد غادرت البلاد، فيما بقي آخرون مترددين بين ضفتي المتوسط طيلة سنوات قبل أن يختاروا البقاء نهائيا في فرنسا. ومن الـ: 141 ألف يهودي، حسب الإحصاء الرسمي للسكان في الجزائر خلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية والذين كانوا منتشرين في المدن الشمالية من البلاد وعلى الهوامش الشمالية للصحراء1، لم يبق من يهود الجزائر سوى بضعة آلاف ثم تناقص عددهم بشكل كبير خلال أزمة التسعينيات من القرن 20م والعنف الرهيب الذي رافقها.
وفي خضم موجة الرحيل التي انطلقت منذ السنوات الأولى لاندلاع الثورة التحريرية (سنة 1954م) وازدادت وتيرتها بقوة منذ 1961م، جرف التيار أهم المغنين اليهود الجزائريين باتجاه فرنسا، إمَّا خوفا من إمكانية انتقام الثوار الجزائريين بعد الاستقلال من الذين لم يساندوهم أو وقفوا ضدهم أو لمجرد أنهم لم يكونوا مستعدين للعيش في أجواء الجزائر الحرة المستقلة ذات التوجه الثقافي والحضاري العربي – الإسلامي. فيما عجز البعض الآخر عن الاندماج في البيئة الثقافية الجزائرية الجديدة، ودون عقدة من استقلال الجزائر لأن عددا منهم كان مناصرا أو متعاطفا مع المطالب التحررية للجزائريين. وأنهك الإحساس بالغربة هذه الشريحة بعد أن انهار النظام الثقافي الاجتماعي الاستعماري وأجواؤه التي شبوا وترعرعوا فيها ورحل الأهل والأحباب الفرنسيون عن البلاد. فقررت هذه الشريحة من اليهود، بعد سنوات من العيش في الجزائر في أعقاب الاستقلال، أن تترك البلاد نهائيا ليستقر بها الحال في فرنسا.
التعليق كما ورد بالفرنسية: Salim Al-Hilali, grand chanteur a voix d or. Enfant de Souq Ahras a l est de l Algerie. Sauve des soldats nazis par Si Qaddour Ben Gabrit Imam de la Grande mosquee de Paris

التعليق كما ورد بالفرنسية: Salim Al-Hilali, grand chanteur a voix d or. Enfant de Souq Ahras a l est de l Algerie. Sauve des soldats nazis par Si Qaddour Ben Gabrit Imam de la Grande mosquee de Paris

ولم تصمد في وجه موجة الرحيل إلى الشمال عشية وغداة الاستقلال سوى أعداد محدودة من الأسر اليهودية، ومنها عائلة بلعيش (Belaiche)، وحيِّيم (Haim)، وعائلة صِرُورْ (Serror) التي بقي أحد أفرادها حاخاما في بيعة باب الوادي في قلب العاصمة الجزائرية إلى غاية نهاية الثمانينيات، وكذلك رُوجِيه سعيد (Roger Said)، من مدينة البليدة، الذي لا يزال يمارس المحاماة في الجزائر إلى اليوم بعد أن كان عضوا إلى جانب الأديب رشيد بوجدرة والمحامي ميلود ابراهيمي في لجنة رسمية لحقوق الإنسان في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد خلال نهاية الثمانينيات من القرن الماضي2. كما بقي عدد من أفراد عائلة سَاسْبُورْتَاسْ (Sasportas) (أو شِيشْبُورْتِيشْ)، وحَدَّاد والدَّرعي وغيرهم. إلا أن أغلب هؤلاء تركوا البلاد في السنوات الأولى لانفجار الأزمة السياسية التي أفضت إلى اقتتال رهيب بين الجزائريين طيلة عشرية التسعينيات، خصوصا بعد تعرض يهودييْن للاغتيال في قلب العاصمة الجزائرية أولهما حيِّيم لُزوم (Haim Louzoum) وثانيهما جُوزي شارل بلعيش (José Charles Belaiche) سنة 1993م في وقت طال العنف والاغتيالات كل الناس بلا تمييز، من رئيس الدولة إلى أبسط المواطنين3. كما اعتُدِيَ على مواطن يهودي آخر داخل محله وهو عبارة عن مَعْمل للزُّجاج في ضاحية بولوغين في العاصمة الجزائرية في جريمة من جرائم القانون العام ولا علاقة لها بالسياسة أو بديانته اليهودية وقد أُُصِيبَ خلالها بجروح خطيرة.

في خضم الرحيل الجماعي الذي واكب استقلال الجزائر إذن ، ذهب ليلي العباسي إلى العاصمة باريس وليلي بونيش إلى مدينة كَانْ (Cannes) بعد تردده على باريس، واختار كل من إيبيهو بن سعيد وصديقه الكفيف المعلم زوزو مدينة نيس (Nice). فيما استقر عازفُ الكَمَانْ سِيلْفَانْ غْرِينَاسية ونجلُه غاستون المعروف بأنريكو ماسياس في العاصمة الفرنسية حيث سمحت أجواء باريس الثقافية لسِيلْفَانْ ولابنه غَاسْتُونْ بسدِّ الرَّمق من الاشتغال بالعزف في المقاهي العربية واليهودية وفي الكباريهات التي كان يملكها جزائريون في حي سان ميشال.

كما التحقت بباريس أيضا الفنانة الكفيفة سلطانة داوود، وكذلك سيمون الطَّمَّار التي لم تفارق الجزائر إلا بعد سنوات قضتها في زخم وسط فن المالوف القسنطيني كما كانت في السابق قبل استقلال البلاد حيث أحْيَتْ الحفلات والأعراس باستمرار إلى غايةِ رحيلها. ولم يكن هذا الرحيل نهائيًا، لأن هذه الفنانة بقيتْ على اتصالٍ بالجزائر تزورها وتتردد على أصدقائها المسلمين من فترة إلى أخرى.

11887963_10204913588582325_6904243114739726088_n

كما التحقت بفرنسا بعد سنوات طويلة من الإقامة في ضاحية الأبيار بالعاصمة الجزائرية الفنانة أَلِيسْ الفِيتُوسِي التي انقطعتْ أخبارُها بعد الرحيل، إضافة إلى مطرب المالوف وعازف العود رُوني لِيفي الذي حطَّ رحالَه في ضاحية سَافِينْيِيهْ سُورْ أُورْجْ (Savigny – Sur – Orges) الباريسية، وإيدمون عطلان الذي لمع نجمه بعد الرحيل في ضاحية سَارْسِيلْ (Sarcelles) الباريسية خلال السبعينيات والثمانينيات وقد توفي سنة 2007م.
وتُضافُ إلى هؤلاء أسماء أخرى عديدة، نذكر منها: مُغنِّي المالوف المعروف ألكسندر جودا النقاش وأبناءه، وقد توفي في 1999م، وناثان بن طارِّي الذي يُقال إنه مات في مهجره الفرنسي كمدا على فراقه مسقط رأسه قسنطينة وأحبابه، والفنان الكفيف شارل صونيغو، والمْعَلَّمْ السَّاسي الذي فارق الحياة في 1972م في فرنسا، وجوزيف قصبي المتوفي في نفس البلد سنة 1975م، ولين مونتي التي عاشت بين باريس والولايات المتحدة الأمريكية وتوفيت في فرنسا سنة 2003م…إلخ.
10985409_10204913591942409_4736356393528677358_n

ترك هؤلاء الجزائر بمحض إرادتهم رغم كل الأقاويل التي تتردد في الوقت الحالي عن “طردٍ” مزعوم لم يؤكده حتى الذين يَدَّعونه، لا بشهادات رسمية ولا بتظلمات واضحة ومُوثَّقة، لأن هذه الأقاويل أصلا مجرد افتراءات وابتزازات سياسية تُطلقها عادة جهات صهيونية لا علاقة لها بالجزائر، وأحيانا لا علاقة لها حتى بهؤلاء الفنانين وغير الفنانين اليهود الذين تركوا البلاد في 1962م، وهي دعاية موجَّهة فقط للتوظيف السياسي الداعم للدولة العبرية…

وربما تسبب الترويج لهذه الادعاءات حتى في التأثير على مواقف بعض يهود الجزائر سابقا من أسباب رحيلهم عن بلادهم عند استقلال الجزائر وظروفه ، سواء تم ذلك عن طمع في تعويضات جزائرية أو دعما لإسرائيل أو مجاملة للنشطاء الصهاينة وربما حتى عن سذاجة أحيانا. ففي أبريل/نيسان 2000م عندما جمعنا لقاء بالفنان اليهودي تلمساني الأصل روني بيريز وسجَّلنا معه حوارا نشرته بعد بضعة أشهر صحيفة “الخبر الأسبوعي” الجزائرية ، بكى رُونِي كثيرا عند التطرق إلى ذكرياته في الجزائر. وتحدث عن رحيل سببه، على حد تعبيره، “تهديدات” طالت أسرته من عناصر تابعة لجبهة التحرير الوطني. لكن عندما ألححتُ عليه بالسؤال “هل قيل لكم بشكل مباشر أتركوا الجزائر وإلا قتلناكم؟”، تردَّد قليلا وكان جوابه: “الحقيقة لا، لم يحدث هذا الأمر” واتضح من كلامه أن الأجواء التي كانت سائدة وانعدام الأمن الذي طال جميع من كان يعيش في الجزائر إضافة إلى جرائم المنظمة المسلحة السرية (OAS) التي فرضت أجواء من الرعب وفقدان الأمل في إمكانية التعايش بين الجزائريين المسلمين و”الأوروبيين” الذين كان اليهود جزءا منهم، كل هذه العوامل مجتمعة خلقت أجواء من الخوف والهلع ودفعت هذه الجالية “الأوروبية” في أغلبيتها الساحقة إلى الموانئ والمطارات قاصدة “الوطن الأم” فرنسا…”.

فوزي سعد الله: يهود الجزائر، مجالس الغناء والطرب. دار قرطبة. الجزائر 2009م.

نشرته “الوطن” الجزائرية بعنوان “المغنون اليهود الجزائريون واستقلال البلاد

اترك رد

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نادري سمير
نادري سمير
2 سنوات

من أين يمكنني إقتناء هذا الكتاب؟
Samirnawras@gmail.com

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading