أين أخطأ «الإخوان المسلمون» المصريون؟

0

 يُعتبر الرابع عشر من آب/أغسطس 2013 أعنف يوم في تاريخ مصر المعاصر. ففي ذلك اليوم فرّقت قوى الأمن بعنف مشاركين في تظاهرات “ميدان رابعة العدوية” في شمال القاهرة و”ميدان النهضة” في الجيزة، مما أدى إلى مقتل مئات الإسلاميين الذين كانوا يحتجون على الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب، زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، قبل ذلك بستة أسابيع. وقد حددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حصيلة الضحايا لاحقاً بأكثر من 800 مدني. وفي غضون ذلك، أصبحت الحادثة بمثابة صيحة استنفار لـ «الإخوان المسلمين» وحلفائهم، الذين تعهدوا بالثأر للقمع الذين تعرضوا له وإعادة تعيين مرسي رئيساً.

إلا أن “مجزرة رابعة”، كما أصبحت معروفة، اكتست أيضاً أهمية لسبب آخر، إذ عكست الفشل الكلي لاستراتيجية «الإخوان» ما بعد مرسي وهزيمتهم في الصراع على السلطة مع الحكومة المدعومة من قبل الجيش الذي تولى زمام الحكم إثر الإطاحة بمرسي. وبعد ثلاثة أعوام، لم تسترد جماعة «الإخوان»عافيتها بعد، إذ أن الآلاف من قادتها يقبعون في السجون أو في المنفى فيما قُتل مئات آخرون على الأقل، ولم تعد «الجماعة» لاعباً مهماً على أرض الواقع.

تجدر الإشارة إلى أن الإطاحة بمرسي أخذت «الإخوان» على حين غرة. فعندما نزل ملايين المصريين إلى الشوارع في 30 حزيران/يونيو 2013 للتظاهر ضد الرئاسة الاستبدادية والفاشلة لزعيم «الإخوان»، قال قادة «الجماعة» لأتباعهم إن المؤسسة العسكرية وقفت بحزم إلى جانب مرسي. وظلوا يبدون هذه الثقة حتى بعد أن حذرت المؤسسة العسكرية مرسي في 1 تموز/يوليو من أنها ستتدخل بواسطة “خارطة الطريق” الخاصة بها إذا ما فشل في الاستجابة لمطالب المتظاهرين في غضون 48 ساعة.

وبالتالي عندما أعلن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وهو محاط بمجموعة واسعة من الشخصيات المصرية، عن الإطاحة بمرسي مساء 3 تموز/يوليو، رد «الإخوان» على عجل. فقد أمرت «الجماعة» كوادرها من كافة أنحاء البلاد بالتجمع في “ميدان رابعة العدوية” و”ميدان النهضة”، حيث كان «الإخوان» يتظاهرون لما يقرب من أسبوع دعماً لمرسي. وأصبح هذان الميدانان منطقتين محظورتين على الشرطة المصرية بعد الإطاحة بمرسي وشكلا ملاذاً استطاع من خلاله قادة «الإخوان» المطلوبين تجنب الاعتقال، وعقد الاجتماعات، والتواصل مع وسائل الإعلام الدولية.

وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته المؤسسة العكسرية من ناحية الأسلحة والقدرات، كان «الإخوان المسلمون» يتوقعون فعلاً أنهم سيكسبون الصراع على السلطة الناتج عن الانقلاب. فقد اعتقدت «الجماعة» أن عدداً صغيراً فقط من الجنرالات قد أيد إسقاط مرسي، وأن تظاهراتها ستُحدث شرخاً داخل المؤسسة العسكرية وبالتالي تعيد مرسي إلى السلطة. واعتقدت جماعة «الإخوان» أيضاً أنه باستطاعتها الصمود أمام أي محاولة لتفريق الاحتجاجات بما أن أعضاءها كانوا مستعدين للموت من أجل قضيتها. فقد أفاد المتحدث باسم «الجماعة» جهاد الحداد للصحفي ماجد عاطف ما يلي: “إذا ما أرادوا تفرقة المعتصمين فعليهم أن يقتلوا 100,000  متظاهر، ولا يستطيعون القيام بذلك [لأننا] مستعدون للتضحية بـ 100,000  شهيد”. وفي الوقت نفسه، دعا «الإخوان» إلى تنظيم احتجاجات مؤيدة لمرسي في كافة أنحاء البلاد. وقد أغلق المتظاهرون الطرق واشتبكوا مع قوات الأمن. وكانت تلك الأنشطة بأجمعها تهدف إلى توجيه رسالة واضحة جداً للنظام الجديد مفادها أن مصر لن تنعم بالاستقرار ما لم يتم إبطال مفعول الانقلاب.

وتلقى النظام الرسالة وكان مصمماً أيضاً على كسب الصراع على السلطة. فقد قال لي حازم الببلاوي، الذي كان رئيس وزراء مصر خلال تلك الفترة، في مقابلة معه في تشرين الأول/أكتوبر 2014: “كنا واثقين من أمر واحد وهو أنه لا توجد بلاد تستطيع الصمود إذا كان قسم من شعبها لا يعترف ببساطة بالسلطة ويتحداها، وهذا غير مقبول”.

كما أوضحت الحكومة تماماً أنها كانت مستعدة لاستخدام القوة الحازمة ضد احتجاجات «الإخوان». ففي 8 تموز/يوليو قُتل واحد وخمسون مؤيداً لمرسي خارج “مقر الحرس الجمهوري”، حيث كان الرئيس السابق معتقلاً. ومن ثم في 24 تموز/يوليو، دعا وزير الدفاع السيسي إلى تنظيم تظاهرات حاشدة لـ “تفويض” الجيش بمحاربة الإرهاب، وكان يقصد بذلك «الإخوان»، واستجاب عدة آلاف من المصريين لدعوته من خلال تدفقهم إلى الشوارع بعد يومين. ولكن بعد شهر من الإطاحة بمرسي، والذي تزامن مع شهر رمضان المبارك، أجّلت الحكومة خططها لتفريق احتجاجات «الإخوان» وسمحت للدبلوماسيين الغربيين بدراسة الإحتمالات للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض. وقال الببلاوي: “كنا ندرك أن مثل هذا الأمر لا يمكن حله دون وقوع ضحايا، إنما أردنا تأخير ذلك بقدر الإمكان، ولكن ليس إلى الحد الذي يجب أن يتدهور فيه مفهوم الإحترام للحكومة”.

ولكن عندما فشلت المفاوضات، اجتمع مجلس الوزراء المصري في 31 تموز/يوليو وفوّض وزير الداخلية بـ “اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتفرقة المظاهرات أو الاعتصامات”. وللحد من إراقة الدم، اقترح بعض الوزراء أن تقوم قوى الأمن بمحاصرة مواقع الاحتجاج والسماح للمتظاهرين بالمغادرة، من دون السماح للمتظاهرين الجدد أو السلع الجديدة بالدخول. صحيح أن هذا النوع من استراتيجية الحصار كان لينهي التظاهرات بطرق أكثر تدرجاً، ولكن كان ليؤدي أيضاً إلى وقوع عدد أقل بكثير من الإصابات. ولكن وفقاً للببلاوي، رفض وزير الداخلية هذه الفكرة، معتبراً أن استراتيجية الحصار من شأنها أن تسمح لجماعة «الإخوان» بأن تقرر متى تشن أعمالاً عدائية ضد قوى الأمن، الأمر الذي كان ليضع الشرطة في وضع غير مميز. وبطبيعة الحال، ليست هذه الطريقة التقليدية التي تعتمدها الشرطة للتعامل مع التظاهرات، بل هي طريقة التخطيط التي يتبناها الجنرالات خلال الحرب. وهكذا بالتحديد كانت تنظر الحكومة الجديدة إلى تلك اللحظة المعينة من الزمن. وبالتالي رضخ مجلس الوزراء في النهاية لوزير الداخلية، فأعطى بذلك الشرطة صلاحية تفريق الاحتجاجات متى كانت مستعدة لذلك.

وقد وجهت “مجزرة رابعة” ضربة قاسية جداً لجماعة «الإخوان». ففيما يتخطى عدد القتلى المرتفع، فقد قادة «الجماعة» وكوادرها ملاجئهم الفعلية، وخلال الأشهر القليلة التالية انتهى الأمر بالآلاف منهم إما في السجن أو في المنفى. وفي نهاية عام 2013، أصبحت بنية «الجماعة» التراتبية بشكل واضح مقطوعة الرأس بالكامل، مما جعلها غير قادرة على تنفيذ أي نوع من الاستراتيجيات الوطنية داخل مصر. وفي حين تستمر جماعة «الإخوان» بنشر أفكارها ونهجها السياسي انطلاقاً من قاعدتها الفعلية في اسطنبول، إلا أنها لم تعد تشكل تهديداً ملحوظاً للحكومة الحالية وبالكاد يمكن رؤيتها في مصر اليوم.

سألتُ الببلاوي ما إذا كان يساوره أي إحساس بالندم بشأن “رابعة”. فبعد أن قتلت قوى الأمن 28 متظاهراً مسيحياً في وسط العاصمة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، استقال الببلاوي من منصبه كوزير للمالية احتجاجاً على ذلك. ولكن في ما يتعلق بـ”رابعة”، اعتبر الببلاوي أن مستقبل مصر كان على المحك ولم يكن يتصور بديلاً أفضل عما حصل، قائلاً: “كان الأمر مؤلماً للغاية، ولكن عندما تذهب إلى الحرب، يفقد عدد من أبنائك… ذراعهم أو حتى حياتهم، ولكنك بالمقابل تنقذ بلادك. كان الأمر فظيعاً وسيئاً للغاية ولم يكن القرار سهلاً إنما حتمياً”.

أما بالنسبة إلى جماعة «الإخوان»، تبقى “رابعة” رمزاً مهماً لـ”صمودها” في مقاومة الإطاحة بمرسي ويُحتفل بالضحايا الذين سقطوا في “ميدان رابعة العدوية” و”ميدان النهضة” كشهداء أبرار على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بـ«الإخوان» وفي أماكن أخرى. ولكن في الأشهر الأخيرة، بدأت «الجماعة» تعيد تقييم استراتيجية قادتها الفاشلة خلال تلك الفترة. وفي هذا الإطار، تساءل أحد مؤيدي مرسي مؤخراً على موقع فيسبوك لم بقي «الإخوان» ببساطة في “ميدان رابعة العدوية” بعد أن وجه الجيش المصري إنذاراً لمرسي أمده 48 ساعة في 1 تموز/يوليو 2013، عوضاً عن التحرك باتجاه مقر “الحرس الجمهوري” حيث كان مرسي متواجداً وذلك لمنع الجيش من القبض عليه.

وبطبيعة الحال، اكتسبت هذه الأسئلة أهمية أكبر في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا الشهر الماضي، بينما درس الإسلاميون كيف تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تجنب مصير مرسي. على سبيل المثال، يذكر عمرو فراج، الذي أسس شبكة “رصد” التابعة لـ«الجماعة»، كيف أن «الإخوان» وفي اليوم نفسه بعد الاطاحة بمرسي، تلقوا توجيهات بالتعامل باحترام مع الجنود الذين كانوا يدخلون ويخرجون من مبنى تابع لوزارة الدفاع بالقرب من “ميدان رابعة العدوية”. فقد نشر فراج على موقع فيسبوك ما يلي: “إخوتنا الأعزاء كانوا يقولون: نحن ‘مسالمون’. سلميتنا أقوى من الرصاص. لذلك، تلقينا صفعة قوية على أعناقنا”.

وتعكس عمليات إعادة التقييم موضع البحث التغيير الأهم الذي حصل داخل جماعة «الإخوان» خلال الأعوام الثلاثة منذ “مجزرة رابعة”، وهو أن المنظمة أصبحت مجزأة على نحو متزايد. فقادة «الإخوان» إما في السجن أو مختبئون أو مبعثرون بين دول مختلفة في المنفى، مما ولّد صراعاً داخلياً على السلطة لم تتم معالجته بعد. بعبارة أخرى، ما زال هناك العديد من [أتباع] «الإخوان المسلمين» إلا أن جماعة «الإخوان» لم تعد [ناشطة]، على الأقل في الوقت الراهن.

إريك تراجر هو زميل “استير ك. واغنر” في معهد واشنطن.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.