أصل الغرام وأصل المأزق

0
 ابرزت المقابلة التلفزيونية لرئيس الحكومة سعد الحريري، مساء أمس الاحد، انه تلقى بإيجابية الخطابات الداعية الى عودته، التي أصر عليها كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله. بادلهم الهدوء بهدوء. لكنه نفى شائعات رافقت الدعوة إلى العودة، هدفها الحصول على شهادة براءة من الارتكابات التي حصلت وقوّضت التسوية المفترض ان يتم التزامها لقبوله انهاء الازمة الرئاسية قبل عام.

لم يناور الحريري المرهق. أرادها صدمة إيجابية. بالطبع أرادها صدمة لمن حسب انه حصل بموجب التسوية على ما يريد ويمكنه اليوم ان يلعب لعبته لصالح محوره الإقليمي ايضاً كما يريد.

شدّد على النأي بالنفس، وألمح الى ان لديه أدلة على فظاعة اختراق هذا النأي بالنفس، وهو سيقدمها الى الرئيس عون. هذه الأدلة، ربما، ستكون البند الأول في بحث بنود التسوية الجديدة المفترض ان تحدد قبوله العودة عن استقالته.

حينها سنتأكد من أصل الغرام الذي اغرق الرأي العام، للتعمية على أصل المأزق وفصوله.

الحريري سينتظر إشارات، وتحديداً من عون لإعادة التزام ما جرى الإتفاق معه عليه قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، ومن ضمن النأي بالنفس سيسأله عن سؤال “حزب الله” الخروج من اليمن، وبالطبع تصحيح السياسة الخارجية للبنان، حماية لهذا البلد الصغير والمنتهك. قال صراحة ان لا أحد سيحب لبنان أكثر مما يحب المصلحة العليا لبلاده. كأنه بذلك يطالب “حزب الله” بأن يحب لبنان أكثر مما يحب بلد ولاية الفقيه.

اما الكلام عن اقالة واحتجاز وإقامة جبرية، وكل ما رافق خطاباً غلب عليه الشوق والغرام ولم نشهد له مثيلاً منذ أيام قيس بن الملوح، اكتشف لهيبه محور الممانعة بذراعه اللبنانية ليصبّه كالسيل، عله يجرف الرئيس سعد الحريري، ويعيد الغالي ابن الغالي الى حضنه… فللبحث صلة.

صحيح ان الوضع صعب والمعلومات شحيحة والغموض لا يزال الطاغي على المشهد بفعل التلوث الإعلامي السائد بإرادة محور الممانعة، لكن بدا واضحاً ان إقامة الحريري في الرياض طوعية ولأسباب أمنية. الاكيد ان لبّ المشكلة لا يلغيه مقابلة الهدوء بهدوء ينسف النشاط المنقطع النظير في فبركة الشائعات التي تدل على ان ما يُرَوَّج له، غايته التعمية على الحقيقة التي لا تناسب من يدّعي انه يقود حملة لإستعادة رئيس حكومة لبنان، ويتجاهل ان الاستقالة جاءت لأسباب تتعلق بأزمة فعلية وموجودة وثقيلة الوطأة على لبنان، أزمة تصادر لبنان كله وتضعه في إقامة جبرية في المحور الإيراني وتضعه في مواجهة العالم.

الصحيح أيضاً ان من يقول ان السعودية تفرض هيمنتها على لبنان من خلال فرض الاستقالة على رئيس الحكومة، يعلن وبفخر انه جندي في “ولاية الفقيه” وان طعامه وشرابه وسلاحه وملبسه وتمويل حزبه بالكامل هو من إيران. يعني ان الاتهام لا يستقيم.

ولا يستقيم ما قاله نصر الله ان الحكومة غير مستقيلة والوزراء يعملون بشكل طبيعي. يعني لا لزوم لتصحيح أي خلل أدى الى استقالة الرئيس سعد الحريري.

فنصر الله اقفل الملف. السعودية اكرهت رئيس حكومتنا على الاستقالة ومن ثم طلبت الى إسرائيل ضرب لبنان. وعلى السنّة اليوم ان يفتشوا عن مرجعية جديدة، ربما في مصر او في تركيا.

مرشد الجمهورية يمدح رئيس الجمهورية، فيما هو يصادر دوره ودور المؤسسات والدستور، على اعتبار ان نظام المصلحة اللبنانية لا وجود له.

ونقطة على السطر.

لكن الحريري، وبموقفه من عون، سعى الى تذكيره بالصلاحيات المصادَرة، وبالدور الذي يجب ان يُفعَّل ويفعل.

الجدير بالإشارة، هو هذا التعالي الحريري عن تشاطر جوقة الزجل في ابتكار حيثيات العهر الإعلامي المرافق لإظهار ان ما يجري يتعلق فقط بالاقامة الجبرية والارغام على الاستقالة، والتفنن في زرع بذور الفتنة والتنابذ والخوف في صفوف جمهور الرئيس الحريري حتى تتزعزع ثقته بزعيمه ويصدّق آلة الكذب وينفرط عقده ليصار الى الاستيلاء عليه بالمفرّق.

الفبركة تعمل بنشاط منقطع النظير حتى نكاد نسمع محركاتها تتأوه جراء الضغط المبالغ عليها: مرة، الحريري وصل الى مطار الرياض ووجد الأمن في انتظاره وصادروا هاتفه. ومرة، وصل وكان كل شيء عاديا وذهب الى بيته في الرياض، وفي اليوم الثاني اخذوه بالجينز والـ”تي شرت” وألبسوه بدلة واعطوه بيان الاستقالة.

يقولون لم يخلع البذلة نفسها منذ ثلاثة أيام. يقولون هناك اتجاهاً لتكليف فؤاد السنيورة رئاسة الحكومة. ثم بهية الحريري رئيسة للحكومة.

ومرة، السعودية تمهد لفرض بهاء الحريري. ويرمون الحرم على المنسّق العام لقوى “14 آذار” فارس سعيد والدكتور رضوان السيد اللذين ينفذان أوامر الوزير السعودي ثامر السبهان.

لا يملكون رداً على السبهان عندما يفتح ملف الكبتاغون الذي يصنع في حاضنة “حزب الله” ويصدَّر الى السعودية والى الامارات، وكان سبق له ان اغرق مناطق الثورة في سوريا.

ولا يملكون رداً على السبهان عندما يغرد بأن “المزايدات في موضوع الحريري مضحكة جدا، كل هذا الحب والعشق قتلتم اباه وقتلتم امل اللبنانيين في حياة سلمية ومعتدلة وتحاولون قتله سياسيا وجسديا”.

من هنا يمكن الاستخلاص ان ذراع ايران في لبنان تتحمل وحدها المسؤولية اذا واجهت شروط الحريري للتسوية بمزيد من التخريب وفق أساليب إعلامية مغرضة وخبيثة. فالممانعون لسيادة لبنان لا يريدون الا الباطل، حتى لو نطقوا ببعض الحق.

ذراع إيران تتحمل وحدها المسؤولية اذا اعتبرت ان ما ورد في مقابلة الحريري هو تنازل وتراجع سعودي يدلاّن على الفشل، واذا فسّرت هدوء رئيس حكومتنا في طرح مواقفه بأنه مسلوب الإرادة، ويمكن توقع ما سيحصل بعد ان تلمس الذراع الإيرانية ان الرجل مصر على استقالته ما لم يلبَّ طلبه بتسوية جديدة مع الحزب الإلهي يتولى “بيّ الكل” انتاجها.

حينها سنعرف الى ما سيؤول اليه اصل الغرام لدى فريق الممانعة.

او ان أصل المأزق سينسف الغرام من أساسه.

sanaa.aljack@gmail.com

     المصدر: “النهار”
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.